أولاً من هو بيكاسو ؟ في الحقيقة يعتبر من أبرز
فناني القرن العشرين .. بابلو بيكاسو (1881-1973)، ولد في مالقا _إسبانيا_ وتلقى
الفن على يد أستاذه الأول والده الذي اكتشف عـبقريته و نبوغ قـدراته مبكّراً ،
وانتقل إلى _فرنسا_ (1904) فعاش فيها أخصب مراحل حياته وبها عاصر الحربين الأولى و
الثانية ، واستـطاع في وسـط عمالقة جيله أن يـكون مرآة عصره بكل تــطوراته
وتقلباته، بل وإلى أبعد من ذلك في إثرائه للفــن بفتـح آفاق لم تُـطرق من قبل .
} أرسم الأشياء كمـا أتصوّرها و ليس كمـا أراهـا~
بيكـاسو
ولقد
تميز [بيكـاسو] بأسلوبه المتمرّد على القوالب الفنية ، و روحه المتوقدة الثائرة،
وقدرته على الاختلاف و التجديـد و التفرّد، تأثر خلال التحاقه بأكاديمية الفنـون بـمدريد
بالمصوّرين الإسبان، وفي باريس بدأت مسيرته الفنية بالمرحلة الزرقاء حيث استفاد من
تجارب {"تولوز لوتريك"} و {"ديجا"} مروراً بالمرحلة الوردية ،
وتأثر بالنحت الإفريقي و بخاصة الأقنعة ، واستلهامه لها في إنجاز رائعته [(نــساء
أفينـون)] و تأسيسه للتكعيبية مع {"بــراك"} في اتجاه معاكس للتأثيرية
آنذاك ، وتجاربه الأخرى الغنية في الخزف و النحت و الحفر.
ومن مراحل مسيرته الفنية، نسلّط الضــوء على
رائعته [(المرأة الباكـية)] و التي أنجزها في عام (1937) بعد أشهر عـدة من لوحته
الشهيرة [(الجرنيكـا)] التي أدان بها حكم {"فــرانكو"} عندما استعان
بالطـائرات النازية الألمانية ، وقصفت القرية الإسبانية _جرنيكا_ المسالمة ، حيث
أبادتها و قضت على سكانها بدقائق معدودة!!
![]() |
المرأة الباكية |
فاللوحة شديدة التعقيد من ناحية البناء الفني ، بداية من
حيث المنطقة التي في مــركز اللوحة و المحيطة بالفـم و الأسنان واليدين الممسكتيـن
بالمنديل ، وإبرازها في مساحة لونية مختلفة – الأبيض و الأزرق – وبزوايا حادة و
خــطوط مـــتعرّجة ، فيصوّر لنا بتركيز مكثّف حرقة بكـاء المرأة و لوعتها ، وكأنها
لوحة منفصلة داخل إطار لوحة أخرى ، في حين بـدت العينان في هيئة القوارب الصغيرة
فوق موج البحر – من الدمـوع – المتلاطم ، فالبناء الفني هنا قريب من الأسلوب
التكعيبي القائم على التحطـيم و التفكيك للعنصر ، ومن ثم إعادة صياغته من جديد ،
دون إخلال فني و بإحكام متماســك البناء ، بالرغم من التـضاد الناتج ما بين المساحات
المثلثة و الزوايا الحادة، و بين تقاطعها وتشابكها مع الخطوط المستقيمة الظاهرة في
الخلفية ، بما يخدم تــصوره لــهول الفاجعة التي تمر بها المرأة الباكية المنتحبة
لــفقدها عزيـزاً ، ولكن أيّ ....
عزيــــــــز!!
و بجانب ذا الحس التعبيري الصارخ و التحوير المتعمّد
للمرأة الباكية ، أضاف [بيكاسو] لمسة ساخرة من خلال إظهارها بكامل أناقتها
الباريسيـــة ، في دلالة واضحة للمصوّرة {"دورامار"} التي ارتبـط بها
بيكاسو في تــلك الفترة ، حيث أسقط في تــصويره لها شخصيتها العصبية و طبيعتها
المعذّبة مزاوجـاً مابين الشكل و المضمون في بنــــــــــــــــــــــــــاء هندسي
متناغم جميل و متـفرّد
خالـد عبد
المغني